الجمعة، 5 نوفمبر 2010

الوسيلة تُبرّر الغاية

بسم الله الرحمن الرحيم

" الغاية تبرّر الوسيلة " مثل عربي قديم، يتفق معه الكثير كما يختلف معه الكثير أيضاً، مثاله حصل قبل يومين في موقفٍ أترك الحكم عليه للقارئ؛ حيث كان أحد الأقارب مع زوجه وولده الطفل في أحد المطاعم المشهورة في الكويت، جلس الزوجان والولد وطلبوا من قائمة الطعام ما يشتهون، ولسوء الحظ أنّه ممّا اشتهته هذه الأسرة الكريمة كان طبقاً من الفاهيتا التي تحضّر بالمقلاة مباشرة أمام الزّبون، وهذا ما حصل حيث جلب النادل مقلاة الفاهيتا، وفيها الزيت يغلي ويصدر الصوت المغري ( تشششششش )، والمصيبة حدثت عندما اقترب النادل من الطاولة، وإذا بيده تفقد توازنها وتميل! - دون تعمّد - وينسكب شيء من الزيت المغلي على وجه الطفل المسكين الذي صمَّ الآذان بالصراخ باكياً! فما كان من الأب إلا أن وقف على رجليه وأبرح النادل - وهو من جنسيّة عربيّة - ضرباً بكل ما أوتي من عزمٍ وقوّة، حتى أنّ النادل فرّ إلى المطبخ حيث تبعه الأبُ مكمّلاً المشهد العنيف الذي لا يُرى إلاّ في الأفلام! وبعد مناقشة الموقف مع الأهل - الذين اصطفّوا مع الأب طبعاً - كانوا يقولون : خيراً فعل! لقنّه درساً لينتبه مرة أخرى، فقلت : وهل كانت طريقة الضرب بالتي هي أوحش صحيحة؟ فكان جوابهم : الغاية تبرّر الوسيلة!
أنا أجزم أنّ قارئي هذه السطور تختلف مواقفهم تجاه الحادثة السابقة، منهم يتفق مع " الغاية تبرّر الوسيلة " لاسيّما إذا وضع نفسه في موقف الأب، ومنهم يختلف! لا سيّما إذا وضع نفسه في موقف النادل غير المتعمّد والذي كان في موقفٍ نتعرّض له دائما في إيقاع الأشياء لا إراديّاً، إذن هذا المثل الشهير ليس مقبولاً دائماً، لأنّه قد يكون في الوسيلة هتكٌ لقيمة أخلاقيّة أو شرعيّة أو إنسانيّة قام به الفاعل حماية واستنجاداً لقيمةٍ أخرى وهي المتمثّلة في الغاية.
إذا كان المثل السابق موطن جدال ونقاش، فالعجيب فيما نراه اليوم والذي أستطيع أن أصفه بـ" الوسيلة ترّر الغاية "، طبعاً هذه المقولة يرفضها كل عقل بدهيّاً ولكن صدّق أو لا تصدّق فهي كثيراً ما تطبّق من غير أن نشعر، وعلى هذا سأضرب مثلاً في حادثة مررت بها اليوم، حيث وصلتني رسالة من إحدى الأخوات على الـBBM والتي تعرف بالـBroadcast، الرسالة تحتوي على صور وهي تحت عنوان ( عندما تحاول البنت الهروب من المدرسة - إلي قلبه ضعيف لا يطالع ) شخصيّاً رأيت أنّ قلبي قوي ففتحت الصور، وهنا الطامة، الصور كانت عبارة عن فتاة عارية قد دخل في مؤخّرتها حديدة مبوّزة من نهاية سورٍ ما وخرجت من ظهرها! حسناً.. قلبي قوي على المنظر الدموي ولكن!! كيف لفتاة أن ترسل لي - أو حتى لغيري - صورة فتاة عارية! علماً أن علاقتني مع هذه الأخت مبنيّة على الإحترام! وأنا متأكد أن الصورة لو كانت مطبوعة وكنا نجلس سويّةً لم تجرؤ على أن تظهرها أمامي البتّة، فما كان منّي إلا أن عاتبتها بلسان جاف وبادَرَت بالإعتذار بعد أن تحسّست صدمتها من كلامي لها، وأكاد أجزم أنّه لا أحد في قائمتها استنكر إرسال مثل هذه الصور الخليعة.
السؤال هو كيف تجرّأت هذه الأخت بإرسال صورة فتاة عارية بهذه البساطة؟ والجواب هو " الوسيلة "..الـBroadcast.. عندما يكون المتلقي بعيدا عن العين تسقط كل الحواجز والإعتبارات النّفسيّة التي تمثّل سليقة الإنسان وفطرته الطبيعية في التصرف أمام الناس، عندها أوّل ما يسقط هو الحياء والخجل، فيقوم الإنسان بأعمال لا يجرؤ في الحياة الطبيعية أن يقوم بها أمام الناس، ومثال هذا كثير جداً، كالـfacebook والـSMS التي تجعل حوار الرجل بالمرأة - مثلاً - جريئاً إلى حد بعيد، لذلك نجد بعض الشباب الذين يتصيّدون الفتيات يفضلّون أن يبنوا علاقتهم بالـchatting بدايةً ليؤسّس علاقته بسهولة مع الفتاة ثمّ ينتقل إلى مستوى آخر كالمكالمات الهاتفية، وبالأخير إلى مستوى المقابلة، لأنّ تلك الفتاة حتى لو كانت في قرارة نفسها بعض الفضول للتواصل مع الجنس الآخر فإنّها لن تقبل من الشاب أن يبادرها رأساً من البداية بالمقابلة! ستمانع بردّة فعل طبيعيّة تناسب فطرتها وسليقتها الأخلاقيّة، والحديث هنا عن الفتاة متوسّطة الأخلاق في مجتمعنا، لا المثاليّة ولا النابية.
نحن في زمن قد يعلم فيه الرجل منّا أنّ قريبته لديها ربّما ٢٠ أو أكثر من المعارف الشّبابيّة ولا يرى فيها خطورة أو مشكلة، لماذا؟ لأنّ هؤلاء الشباب هم معارف على الـfacebook.. فقط facebook، وكأنّه ليس واقعاً أذ يعيش خلف الشاشة رجل بشاربٍ ونفسٍ ذكوري، في حين أنّه لو رأى قريبته في الشارع أو أيّ مكانٍ عام تتحدّث مع شاب غريب، وتبادله ضحكة الصوت بدل ضحكة الـ( لووووول) قد تثور ثائرته، بذلك نعرف أنّ الوسيلة قد تسهل الصعب وتقرب البعيد بإسقاطها للكثير من الحواجز النفسيّة.
أنا في حديثي السابق لا أحكم على الأمثلة التي قدمتها إن كانت صحيحة أو خاطئة، إنّما أعرض واقعاً نعيشه، واقعاً يبقى محلَّ نقاش، وللقارئ الحكم وفق مبادئه ورؤاه.
في النهاية أترككم للاستماع للطريفة في نهاية هذا المقطع، وبالتحديد في الدقيقة  ٣.٤٢ :

( ملاحظة : الطفل الذي احترق وجهه في حالة جيّدة والحمد لله، إذ كانت الحروق سطحيّة ) 

هناك 6 تعليقات:

  1. yali 3am t2oulo sa7, bas dany mechkeltak enta 3atoul 3eyish bi 3alam perfect w amrar betzida:p bas howi mazbout eno lwa7ad ghayr chou3ouriyan bikoun merte7 aktar bel chatting wel facebook w hayda chi tabi3i bas lcha5es yai 3am yesta5dem aw lbenet ma betkoun mentebha 3ala yali 3am bisir bas fi chaghli mhemi eno lbent lama tkoun 2ebla law men aya wasili ra7 tkoun natiji hiyi zeta so it doesn't matter

    ردحذف
  2. hala2 akeed bi7tirim ra2yik elsha59i feeni, bil2a5eer kil wa7ad bi8ayim 7asab 8iyamo w masa7at el2infita7 eli bmujtama3o so belki libnaniyi 3andon '3yr nazra, eno byit2abalo eshya mumkin kuwaitiyi ma byi2abalooha.
    bla7izz bilrad eftira'9 7usn elniya, ana 3ab bi7ki 3an '3ayi, ya3ni wa7ad bado yoo9al la shi w mish 2adir yoo9alo ela bba3'9 elwasa2il, 2a9di eno kalamna mish 3an elwasa2il b7ad zeta (facebook w '3yra) lakin 3an tabreer hydi elwasa2il w tas'heela la ba3'9 el'3ayat yali akeed mno5tilif bta2yeema 7asab el8iyam wilmabadi2 wil2infita7.
    w yislamo 3alta3lee2

    ردحذف
  3. المشكلة ان بعض الناس يتساهلون فيها لانها طريقة حوار غير مباشرة مافيها لاحسيب ولا رقيب وبعيدة عن اعين الآخرين..

    ردحذف
  4. والله صحيح، ولكن أحيانا بالعكس تكون تحت أعين الكثير مثل الـfacebook مثلاً إلي التعليق الواحد فيه ممكن يقراه ١٠٠ صديق! يظهر إن مو دايما سبب التساهل إنه بعيد عن أعين الناس، لكن أحيانا مجرّد لأن الحوار بواسطة وسيلة معينة فهذا مبرّر كافي ربما.
    شكرا على إثراء الحوار.

    ردحذف
  5. مقال جميل يا ابن خالتي العزيز لكن أحب أن اصحح لك معلومة بسيطة. "الغاية تبرر الوسيلة" ليس بمثل عربي على الاطلاق، انما ترجمة لمقولة الفيلسوف الايطالي الشهير Niccolo Machiavelli المولود في فلورنس عام 1469 للميلاد.

    ارتبط اسم ماكيافيللي بالانتهازية و استغلال الفرص بسبب كتابه "الأمير" "The Prince" والذي تضمن مقولة "الغاية تبرر الوسيلة"، "The end justify the mean" إلى درجة انه في علم النفس يوجد مصطلح للانتهازية ويسمى "الماكيافيلية" أو "machiavellism"

    بالتأكيد قد سمعت ولو مرة بحياتك عن شخص انتهازي يشار إليه بأنه شخص ميكافيللي.

    احسنت على هذه المقالة والله يهداك عاديتني قمت اكتب بالفصحى

    ردحذف
  6. جميل جدا .. والله أشكرك على هذا التصحيح، أفضل الردود أفيدها.
    معلومة جديدة علي ولا أذكر أني سمعت بمصطلح "ميكافيللي" لكن أشكرك مرة أخرى ابن خالتي العزيز على هذه المعلومة.

    w tara 3adi el marra elyayya 3ali8 7ata law bil7asawi sahalat hehehe ;-P

    ردحذف