الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

إِلى أَهْلي

   بسم الله الرحمن الرحيم

     بداية أعتذر من أعزتي متتبعي المدوّنة على انقطاعي الذي دام فترة طويلة من الزمن، وذلك بسبب انشغالي بالدراسة، وأنا الآن أكتب هذا الموضوع وأنا في الأشرفية في قلب بيروت، وتطل نافذة غرفتي على ساحة جامعتي جامعة القديس يوسف، حيث مشاعر الإنتماء والدفء تحتضن مشاعر التعب والتململ، ولازلت في هذه الأيام منشغلاً في تقديم امتحاناتي النهائية.

    أثناء فترة الدراسة هنا، تعرفت على نخبة من الأصدقاء من الكويت والخليج والوطن العربي وأوروبا وأمريكا، ولعلي أكتب موضوعا خاصا بهذه العلاقات التي تملؤها الموّدة، متمنيا أن تدوم للأبد. وفي ما يخص هذا الموضوع فقد تعرّفت على البروفيسور أهيف سنّو والذي كان له الفضل الأكبر في هذه الدورات التعليميّة المكثّفة، وقد أعجبت بهذه الشخصيّة الفذّة، بل وتعلقت بها على المستويين العلمي والإنساني، حيث صارت علاقتي به علاقة الابن بالأب فضلًا على علاقة التلميذ بالأستاذ.
     وقد نظمت هذه القصيدة في شخصه الكريم بشكل عفوي، إذ كان توجّهي أن أكتب رسالةً على شكل قصيدة لأرسلها لأختي - وهذا ما يفسر مطلع القصيدة - ولكنها انتهت بما انتهت عليه، وهذا نص القصيدة التي عنوانها "إلى أهلي" وأعتذر على سوء الإخراج.

إِلى أَهْلي

أُخَيَّ عَلَيَّ إنْ جَدَّ الصَّباحُ               تُصَبِّحُني كَما تُمْسي الجِراحُ

كَأنَّ الكَوْنَ حَوْلِي في حَراكٍ               وَما في القَلْبِ يَجْهَلُهُ البَراحُ

تُسَلِّحُني الوَقائِعُ للدَواهي               وَللأَحْزانِ لا يُجْدي السِّلاحُ

إذا هَبَّت رِياحُ الشَّوقِ نَفْحًا               فَعَلِّمْني بِما تُجْدي الصِّفاحُ؟

أَمَرُّ الأَمْرِ للإنْسانِ طُرًّا               بِأَنْ يَغْلو عَليهِ المُسْتَباحُ

وَإنَّ العُمْرَ لَوْ فَتَّشْتَ وَصْفًا               حُدوثٌ ثُمَّ يَخلِفُهُ رَواحُ

 فَما طولُ الرَّجاءِ سُوى فَسادٍ               وَما بَعْدَ المُكوثِ هُوَ السَّراحُ (١)

وَما خَيْرُ الحَياةِ بِطولِ عَيْشٍ               ولكن أنْ يُعايِشَها الصَّلاحُ

وأَيْمُ اللهِ أَصْلَحُ كُلَّ شَيْءٍ               عُلومٌ عِنْدَها يَحْلو الكِفاحُ

وَإنْ أنْسى فَلَنْ أَنْساهُ شَيْخًا               لَهُ لَحِقَتْ سَفينَتِيَ الرِّياحُ

سَنَحْنَحُ (٢) مَعْهَدِ الآدابِ قِدْمًا               وَمَنْ لَوْلاهُ ما خُلِقَ النَّجاحُ

وَبَحْرٌ للمَعارِفِ غُصْتُ فيهِ                     وَلكِنْ ماؤهُ عَذْبٌ قَراحُ (٣)

لِـ"أَهْيَفَ" صاحِبِ المَلَكاتِ أَرْمي               وَمَنْ مِنّي لَهُ خُفِضَ الجَناحُ

أَتَيْتفكَ جاهِلاً وَالجَهْلُ عَيْبٌ               بِأمْرٍ عَنْهُ قَدْ كُشِفَ الوِشاحُ

بِأنَّ العِلْمَ لَوْ قَدْ كانَ دينًا               فَقَوْلُكَ في مَناهِجِهِ الصِّحاحُ

وَأنْتَ الغَيْثُ إنْ عَفّاهُ جَدْبٌ               وَأَنْتَ الزّادُ إِنْ حَلَّ المُحاحُ (٤)

وَأنْتَ دَواؤُهُ إِنْ يَشْكُ داءً               وَأَنْتَ لَهُ بِوَحْدَتِهِ مِراحُ
دُعاةُ العِلْمِ هُمْ للعِلْمِ قِشْرٌ               وَأَنْتَ لِلُبِّهِ آحٌ وَماحُ (٥)

فَلَوْ بَلَغوا خَواتِمَ كُلِّ عِلْمٍ               خِتامُ عُلومِهِم لَكَ الافتِتاحُ
أَبٌ سَهْلُ الخَليقَةِ حينَ يُرْمى               عَظيمُ الصَّبْرِ بَطْشَتُهُ السَّماحُ

لَهُ جِدٌّ إِذا أَبْداهُ يُخْشى               وَمُذْ يُخْشى تَغَشّاهُ المُزاحُ
بِمُتْعَةِ دَرْسِهِ أُنْسٌ لَذيذٌ               وَنَشْوٌ لا يُضاهيهِ النِّكاحُ

إذا قالَ انتَبِهْ أَسْمِعْ وَأَنْصِتْ               يَحُفُّكَ في المُسابَقَةِ ارتِياحُ
     وَأَسْتَجديهِ بِالإلحاحِ حَتّى               يَحُكُّ بِبَوْحِ حُنْجَرَتي بَحاحُ (٦)

عَبيدُ المالِ قَدْ طَمَحوا لِحَظٍّ               فَمالَ الحَظُّ دونَهُمُ وَطاحوا(٧)
وَتُخْفَضُ في سُؤالِ المالِ راحٌ               وَتَعْلو في سُؤالِ العِلْمِ راحُ (٨)

مَقامُهُ لَوْ إِليْهِ قَصَدْتُ مَدْحًا               فَلا يَسْمو لِرِفْعَتِهِ امتِداحُ
فَقُلْ للاّئمينَ لَهُ مَديحي               لِحُبّهِ وَيْكَ يُطْرِبُني النُّباحُ

وَمَنْ يَصْحَبْ مِنَ الدُّنيا خَليلاً               يَجيءُ بِقَدْرِهِ خِلٌّ وَصاحُ
كَما قُرِنَ الأَميرُ بِبِنْتِ طهَ               مُسَيْلَمَةٌ حَليلَتُهُ سَجاحُ

فَخُذْ "هِبَةَ" الإلهِ عَساكَ تُجْزى               لِطيبِ الوَرْدِ يُنْتَخَبُ اللِّقاحُ
أبا "تالا" وَأَصْلُ النّورِ شَمْسٌ               بِلالٌ لَمْ يَكُنْ لَوْلا رَباحُ

لِرَوْحِ العِلْمِ دُمْتُمْ "آلَ سِنّو"               بِكُم وَبِمِثْلِكُمْ حُيَّ الفَلاحُ

قَريحَةُ شِعْرِيَ الهَيْجاءُ طاشَتْ               وَفي أعْتابِكُمْ كُبِحَ الجِماحُ
إِذَنْ حانَ الفِراقُ فِداكَ نَفْسي               وَلَيْتَ اللّيلَ يَقْتُلُهُ الصّباحُ

وإنْ يَبْدو عَلى وَجْهي ابتِسامي               ففي الأحشاءِ يَقْتُلُني النُّواحُ

تُصَبِّرُني مَواعيدٌ سَتأتي               وَأيّامٌ مُخَلّدَةٌ مِلاحُ

إمامي لَيْسَ قَوْلي قَوْلَ قَوْمٍ               مَصاحِفُهُم تَهادَتْها الرِّماحُ

لِزَيْنِ الدّينِ أَحْمَدَ سَوْفَ تَبْقى               وَذِكْرُكَ في فَمِ الدّنيا صُراحُ


٢/٨/٢٠١٠
 بيروت - الأشرفية، راس النّبع




وهذه أبوذيّة بسيطة في حق أحبتي زملائي في "المنهجية العامة":
نَهِج غيــر الوفــا والــود..ما انهج
مع مــن واصل الدّورة.. ومن هــج
إنذبحنـا حاشية.. تدويـن.. منهج
ومع أحبابي تــهـــون المنهـجــيّـة
__________________________________________________________________
(١) السّراح : الطلاق، الإرسال والإبتعاد.
(٢) سنحنح : الرجل السنحنح هو الذي لا ينام الليل.
(٣) قراح : صافٍ خالص.
(٤) المحاح : الجوع.
(٥) الآح والماح : بياض البيض وصفاره بالترتيب.
(٦) بحاح : البحّة، وهو غلظ في الصوت وخشونة.
(٧) طاحوا : هلكوا
(٨) إشارة إلى أن الشحاذ يبسط كفه إلى الأسفل عند الإستجداء، وطالب العلم يرفع كفه إلى الأعلى عند السؤال.

هناك تعليقان (2):

  1. يا بخت الدكتور ( سنّو ) بطالبه النجيب الذي لم يكتف ببيت أو اثنين للاشادة به وتمجيده بل أتى بمعلقة!!
    فهنيئا للدكتور بطالبه المميّز، وللطالبه بخياله الخصب وإبداعه.. فبارك الله له في موهبته، وأرانا إياه علما من أعلام الشعر قريبا..

    ردحذف
  2. أهلا أهلا بالأخت العزيزة ماريّا!
    أشكرك على المرور، وبصراحة إحنا يا بختنا بالبروفسور، صج إنه إمشينا عالمسطرة، لكن والله يعرف شلون يربي فينا شخصية الباحث.

    شكرا جزيلا وموفقة باختبار الغد :-)

    ردحذف