الخميس، 25 فبراير 2010

فيلم "أغورا" بطولة د.(هيباتيا) الخطيب!

بسم الله الرحمن الرحيم




      فيلم "أغورا" للمخرج الإسباني أليخاندرو أمينابار أثار ضجة كبيرة فهو يعتبر من أكثر الأفلام إثارة للجدل لاسيما في الأوساط المسيحية، قام بدور البطولة الممثلة رايتشل وايز، الفيلم يحمل معانٍ خطيرة أحسن معالجتها مخرج العمل ولكن تبقى مشكلة الأفلام التاريخية في المصداقية ومقاربتها لحقيقة الأحداث، ولعلماء التاريخ هنا الرأي الفصل.
      آتمنى أن يكون قارىء هذا المقال قد سبق وشاهد الفيلم.

ملخص قصة الفيلم:

            تدور أحداث الفيلم في نهاية القرن الرابع الميلادي وتحديداً سنة ٤٩٣م،  في الإسكندرية عندما كانت جزءً من الحضارة اليونانية الكبيرة، حينها كانت عبادة الأوثان هي الدين السائد بجانب الدين اليهودي، ولكن في تلك الفترة الزمنية بدأ الدين المسيحي بالظهور وقد تشيع له الفقراء والمساكين بإقبالٍ شديد، وذلك لأن التبشيريين المسيحيين كانوا يعينون هؤلاء المحتاجيبن ويتولون قضاء حوائجهم الأساسية لاسيما الطعام والشراب، ولأن المساكين كانوا غالبية المجتمع فقد صار المسيحيون هم غالبية المجتمع في وقتٍ قياسي.
      لم يشعر الوثنيون بإقبال الناس على المسيحية والسبب أن أغلب المسيحيين كانوا من طبقة العبيد، والوثنيون كانوا هم السادة، لذلك كان المسيحيون يخفون تنصرهم خوفا من بطش الوثنيين الذين لم يتوانوا في إنزال العذاب القاسي بمن يتجرأ ويشهر استنصاره.
      عندما بلغ بطش الوثنيون أشده، وبدؤوا هجمة ثائرة لاقتلاع المسيحيين الذين آصبح لصوتهم صدى، انقلب السحر على الساحر، واستطاع المسيحيون صد هجمتهم بل ومحاربتهم في حرب مكشوفة في المدينة، حتى هزموهم شر هزيمة ، هكذا دارت بينهم حرب طائفية دامية واستطاع المسيحيون طرد الوثنيين من مكتبتهم المقدسة والإستيلاء عليها بل وحرق كتبها القيمة. تطور الأمر بعد بضع سنين وأصبح الدين المسيحي هو الدين الرسمي في الإسكندرية.
في هذه الأثناء كانت الفيلسوفة والعالمة في الفلك والرياضيات والمفكرة (هيباتيا) تقيم حلقات الدرس وتثقف طلابها بأنواع العلوم، تلك المعلمة النقية التي آثرت الزواج من العلم حتى قضّت بكرا رافضة كل ما من شأنه أن يلهيها عن هدفها الأول وشغفها بالحياة وهو العلم..أو الفلسفة إن شئنا الدقة، تلك المعلمة كانت محط احترام وحب كل طلابها باختلاف مشاربهم الدينية والعقائدية، فقد ربتهم على المساواة بينهم، بل وكانت تساوي نفسها بهم أيضا، ويتضح ذلك في مقولتها التي علمتها للطلاب ((إذا كان الأول يساوي الثاني، والثاني يساوي الثالث، فهذا يعني أن الأول يساوي الثالث)) وهكذا فالكل متساوٍ في حلقتها الدراسية، وعندما قامت الحرب بين الوثنيين والمسيحيين وقفت وتلاميذها موقف المحايد المتفرج الآسف، فقد علمتهم أنهم أخوة مهما كانت أديانهم، وأن لغة القتل والدم هي لغة السوقة والرعاع والجهلة.
      بعد أن طرد الوثنيين وتقهقر حالهم، وبالغ المسيحيون في تطرفهم، اندلعت الحرب بين المسيحيين واليهود، فالمتطرف دينياً لا يقوى على احترام عقيدة غيره، ولا التعايش معه، لذا ونتيجة فارق القوى، أباد المسيحيون اليهودَ عن بكرة أبيهم واقتلعوا شوكتهم من دون رحمة، فقتلوهم أينما ثقفوهم وطردوا المهزومين منهم من الإسكندرية أذلة خاسئين. عندها ولأسباب سياسية بحتة كانت مصلحة الأسقف ضرب محافظ المدينة، وهو عاشق (هيباتيا) ومتيمها، بل كان آحد تلامذتها والذي لا يرد لها طلباً ولا يجادل لها آمرا ولا يخالفا بفكرة أو رأي، لهذا رأى الأسقف أن أسهل طريقة لضرب المحافظ الذي ينافسه بالسلطة هي ضرب (هيباتيا) فقام بإسقاطها باسم الدين بل وأطلق عليها لقب الكافرة والساحرة أو المشعوذة، وأهدر دمها بسهولة، لأنها قبل كل شيء امرأة! والمرأة لا يجدر بها التعليم والتفكر - حسب رأيه طبعا - ، ولأنها ببساطة ملحدة لا تعبد أي رب وهي تجاهر بإلحادها بل وتصرح أنها تعبد الفلسفة.
      وفي النهاية يقوم المسيحيون المتطرفون باعتقال (هيباتيا) وتجريدها من ثيابها ورجمها حتى الموت..في مشهد يغلب فيه قوة الحيوان على منطق الإنسان..مشهد بشع يؤلم يصدع القلب ويخنق الصدر، وهكذا قتلت (هيباتيا) ورحلت شهيدة للعلم. 
      تجدر الإشارة إلى شخصية (دافوس)، وهو عبد (هيباتيا) المغرم بها، والذي اعتنق المسيحية وافترق عن (هيباتيا) بعد الحرب التي دارت بين المسيحيين الوثنيين، ولعل أهم ما قام به (دافوس) كان خنق (هيباتيا) قبل رجمها حتى أغمي عليها - أو لعله حتى فارقت الحياة - وذلك حتى ينقذها من عذاب الرجم  ويجعل موتها أرحما إن صح التعبير.

دلالة العنوان:

            "أغورا" هي ساحة في أثينا بالتحديد، وكانت هذه الساحة ملتقى المتكلمين والمفكرين، وفيها تدور المناقشات والمطارحات الفكرية في شتى المجالات والعلوم والآداب بكل حرية. أي أنها أشبه بسوق عكاظ الجاهلية وهايد بارك لندن حاليا.
          أما اختيار هذا الإسم فأراه دعوة إلى النقاش الحر والإبتعاد عن التعصب والتطرف، كأن المبدع هنا يقول أن نقاشات "أغورا" هي لغة الحوار المنشودة، أما لغة الدم والسيف فانظروا إلى تبعاتها في الفيلم، عندما يخالفك عقلٌ بكرة فاثبت له فكرتك بعقلك لا بعضلاتك، ولكل فكرة حق الطرح.
         ولعل السؤال الذي يطرح هنا: كيف يختار المبدع ساحة "أغورا" التي تقع في أثينا عنوانا لفيلم تدور أحداثه في الإسكندرية؟ والجواب كما أعتقد أن المبدع لا يرى لـ"أغورا" مكان محدد ولا زمان محدد حتى، أي على طريقة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) - والأمثلة تضرب ولا تقاس - ، فهو إسقاط صارخ على الواقع المر الذي نعيشه في ظل الإرهاب الناتج من التطرف الديني الأعمى.
       بهذا الفهم ينتج ناتج لطيف، أن المقصود بالرسالة في هذا العصر ليسوا المسيحيين ولا الوثنيين، إنما هم المسلمون المتطرفون والذين يراهم العالم اليوم أنهم مصدر الإرهاب الأول في أصقاع العالم الشرقي والغربي، سواء عمليات القتل في غير دول المسلمين في أمريكا وأوربا ،أو في دول المسلمين في أفغانستان وإيران والعراق والخليج (وآخر هذه العمليات التفجير في زوار الحسين عليه السلام).

علاقة رجال الدين بالعلم:
   
      يتطرق الفيلم إلى مناقشة علاقة رجال الدين بالعلم، والذي تنتهي أحداثه بإصدار حكم الإعدام من أكبر شخصية دينية في ذلك الوقت لأعظم شخصية علمية آنذاك، ولعل ما يشكر للفنان هنا أنه يهاجم رجال الدين لا الدين نفسه - وسنناقش هذه النقطة لاحقا -  على عكس أفلام أخرى ناقشت علاقة الدين بالعلم عامة مثل فيلم "ملائكة وشياطين".
      فيصور  المبدع هذه العلاقة بينهم وبين العلم بأبشع الصور كأن رجال الدين متأخرين عن العلم ولا يهتمون إلا للناحية الروحانية من الدين بل ويكتفون بتعاليم دينهم على أنها المصدر الوحيد للعلم، ويتجلى هذا في أحد المشاهد الذي يتناقش فيه مسيحيان عن حقيقة شكل الأرض بين التسطح والتكور، فيبتدآن بطرح فكرة بطليموس في كروية الأرض وينتهون بأن الكتاب المقدس ينص على أن الأرض مسطحة فالإعتقاد بغير ذلك باطل! وهذان المسيحيان كانا من الخواص المتطرفين والمقربين من الأسقف.
      ولعل أقوى حالة اصطدام كانت بين أحد القسيسين والعالمة (هيباتيا) عندما قالت له أنك تؤمن بشيء دون أن تشك فيه أبدا أما أنا فيجب علي أن أشكك بكل شيء، وهنا يضع الفيلم يده على منطقة الخلاف العظمى بين رجال الدين والعلماء المفكرين.
انتصاراً  للمرأة:

      لعل آخر فيلم شاهدته ينتصر للمرأة بهذه القوة كان "شيفرة دافنتشي" الذي تناول فكرة الأنثى المقدسة، والذي يحاول أن ينصر المرأة باسم المسيحية، أما هذا الفيلم فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، فهو بالإضافة على أنه ينتصر لها بإظهار قدرات أكبر فيلسوفة بالتاريخ الأوروبي وتبيان ذكائها الخارق الذي مكنها من استنتاج الشكل الإهليليجي للأرض فكانت أول من اكتشف ذلك - على ذمة الفيلم - والتي ملكت قوة إيمان بعلمها وفلسفتها ومبادئها وقابلت الدنيا بعنادها (الأنثوي) حتى آنها آثرت الموت على التبري منها، بالإضافة إلى كل ذلك فالفيلم في أحد مشاهده ينتقد بصراحة نصا في الكتاب المقدس والذي يوضح أنه لا ينبغي على المرأة أن تُعلّم، كما أن الأسقف في المشهد يضيف رأيه في التحقير من قدرات المرأة من فهمه للتعاليم المسيحية، وهذا هو النص من الكتاب نفسه المترجم للغة العربية:




      ولمن يحب أن يراجع المصدر فهو كتاب "الدسقولية" وهذا غلاف الكتاب: 


دعوة للنظام العلماني:

      عند مشاهدة طريقة تولي الأسقف للحكم بتعسف والتطرف مبالغ، نلمس دعوة واضحة للنظام العلماني أو ما يسمى نظام فصل الدين عن الدولة، وهنا تذكرت كلام الدكتورة ابتهال الخطيب في أكثر من مقابلة لها عن ضرورة فصل الدين عن الدولة للحفاظ على حقوق الأقليات في المجتمع، تلك الأقليات التي يمثلها اليهود في الدولة المسيحية بالفيلم، أو المسيحيين في الدولة الوثنية، يبين الفيلم أنه من الخطر تولي رجل الدين للحكم لسببين الأول ضياع حقوق الأقليات المنتمية لديانات أخرى بالشعب والسبب الثاني أن فهم النص الديني يختلف من إنسان إلى آخر، فهنا يبين الفيلم بشكل مغيض كيف يقوم الأسقف بقراءة جملة من الكتاب المقدس يفسرها بخطبة كاملة على هواه لا تمت تلك الجملة بصلة، فيقوم بشحذ النفوس المريضة ضد اليهود ليتوجهوا إليهم والشرار يتطاير من عيونهم غضبا عليهم..لأنهم يعتقدون أن المسيح يأمرهم على لسان هذا الأسقف (وهنا يتضح نقد الفيلم لرجال الدين أي للتفسير لا النص).
      لو لم أكن متأكدا أن مخرج الفيلم الإسباني أليخاندرو أمينابار لاعتقدت أن من أخرج الفيلم هو الدكتورة ابتهال الخطيب التي تدعوا للنظام العلماني .


صرخة: لاحظت في تحليلي استخدامي لروايتي دان براون كما استخدمت إحداهما من قبل في مقال آخر وهذا يبين خلفية الناقد المقبل على النص وأنه لا يقبل بريئا كأنه صفحة بيضاء، بل يقبل عليه بخلفية تحدد فهمه للنص، وهنا أشعر كل يوم أن كلام أستاذي الدكتور أحمد الهواري  - الذي درسني مقرر النقد الحديث - يتضح أكثر فأكثر، فضلك علي يا أستاذي القدير لا يقيسه مقياس ويعجز اللسان عن أن يشكرك.

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق